دوره الأبوي والقيادي بعد سقوط النِّظام البائد

ما إن انتهى عهد نظام صدَّام المقبور وأزلامه عام 2003م على يد من أمره سلفاً على عراقنا الجريح وهو الاحتلال الأمريكي الغاشم بحجَّة تحرير العراق من ظلم واضطهاد صدَّام وأعوانه بينما هم الَّذين كانوا قد مكَّنوه ـ بلا شكِّ ولا ريب ـ من التَّسلُّط على رقاب النَّاس والعبث بمصيرهم وسحق الصَّحوات الدِّينيَّة المتعدِّدة المتآلفة، لكون الشَعب العراقي في نوعه مسلم ومضطهد من أيَّام السُّلطة العثمانيَّة في القرون الأخيرة حتَّى هذه العهود الأشد وعلى الأخص أنَّ أغلب ملايينه وبما يقرب من 85% مؤمنون وموالون لأهل البيت الطَّاهر عليهم السلام  ومعهم من سالمهم من بقيَّة المذاهب وبقيَّة الملل الإنسانيَّة لأنَّ بقاء هذا المد الدِّيني  على مبادئه الطَّاهرة يمنع من توسيع صليبيَّتهم وصهيونيَّتهم وماسونيَّتهم وأطماعهم التَّوسعيَّة والعراق غني كبير بالنَّفط ونحوه وذو موقع استراتيجي حسَّاس.

وخير دليل على ذلك إعانتهم لصدَّام على القضاء على الانتفاضة الشَّعبيَّة في الأيَّام الشَّعبانيَّة عام 1991م.

ممَّا سبَّب احتلالهم الأخير انفلات الوضع العام وكأنَّه مبيَّت له فدخل مع دخولهم السَّلب والنَّهب والعبث بأموال ودوائر الحكومة الخدميَّة وسبَّب ذلك الفوضى والهرج والمرج كما كان السَّلب والنَّهب وما يسمَّى بالحواسم مفتوحة على مصراعيها أيَّام صدَّام المقبور.

كما ودخلت الأحزاب والتَّكتُّلات الكثيرة الصَّالحة والطالحة ودخلت معها المصالح الشَّخصيَّة والذَّاتيَّة بل دخلت معها المطامع الدُّوليَّة بهذا البلد الثّري بكلِّ شيء إلى أن زاد على الطِّين بلَّة وأضيف على النَّار زيوت، فخيف على حقوق هذا الشُّعب من أغلبيَّته وأقليَّاته المسالمة الَّتي انتهكت وسلبت طوال العقود الماضية ولا من مدافع لهم ولا من مطالب بحقوقهم، بل خيف على الدُّستور الَّذي يراد ضبطه من التَّلاعب به كما كان يتلاعب به من قبل حكَّام الأمس.

فانبرت المرجعيَّة الدِّينيَّة الرَّشيدة في النَّجف الأشرف إلى قيادة الشَّعب المظلوم وإخراجه من محنه وظلاماته من خلال فتاواهم بتحريم السَّرقات وسلب ونهب الأموال العاَّمة الَّتي تتعلَّق بدوائر الدَّولة، بل أوجبوا الالتزام بحفظ النِّظام العام.

كما أصدروا أوامرهم بالوجوب على الشُّعب والإلزام له بالتَّوجُّه إلى صناديق الاقتراع وانتخاب ممثِّلين عنهم في كتابة الدُّستور ووضع أسس وقواعد رصينة تحفظ حقوقهم وحريَّاتهم الدِّينيَّة والاجتماعيَّة.

وكان لسيِّدنا المترجم له (دام ظلُّه) دور بارز في ذلك من خلال إصدار فتاواه وبياناته وتوجيهاته المعروفة والمشهورة والموجودة في مكتبه وموقعه على الانترنيت.

كما وصدرت لمؤسَّسة السيد حسين الغريفي قدس سره الشريف  الثَّقافيَّة أيَّام الانتخابات الأولى والثَّانية بوسترات ذكرت فيها أراء المراجع الكرام حول الانتخابات مع صورهم وكان سماحته أحدهم.

وكان سماحته خلال لقاءاته لكافَّة المستويات من مسؤولين وغيرهم شديد الغيرة على ظلامة الشَّعب وما كان يعانيه من زمرة البعث المقبور، فكان يوصيهم بالتَّصدِّي والانتقام من كل من تثبت عليه جريمة تجاه مظلوميهم، بل كان سماحته (دام بقاءه) دائماً يؤكِّد على الالتزام بقانون اجتثاث البعث وأن لا مصالحة مع كل مفسد في الأرض من ذوي السَّوابق كما هو أمر الباري عزَّ وجل في قرآنه المجيد.

كما كان يحث المؤمنين على تجنُّب الأحزاب المشبوهة واختيار الاستقلال ما داموا تحت ظلِّ المرجعيَّة الموحَّدة المستقيمة وغير المحدَّدة بعدد يخشى عليه من التَّطويق السِّياسي أو الاستعماري المشبوه.

وقد استغلَّ سماحته (دام ظلُّه) فرصة انتهاء العهد البائد لملاقاة الأحبَّة والمجاهدين ممَّن بقي في الخارج فأخذ يكثر من أسفاره أيَّام التَّعطيل الصِّيفي وغيره لحثِّهم على الرُّجوع إلى البلد المظلوم أو لدعم النَّشاطات الدِّينيَّة في النَّجف الأشرف وغيره والعمل على إرجاع الوطن العزيز كما يبتغيه المراجع والموالون لأهل البيت عليهم السلام  ومن معهم متكاملاً ومعزَّزاً مكرَّماً.

كما وأسَّس بعثته الدِّينيَّة للحج لكل عام وقد وصلت إلى المرَّة الخامسة لإعادة بث الرِّسالة الإسلاميَّة الولائيَّة هناك والمنطلقة من عاصمة العلوم والمرجعيَّات النَّجف الأشرف ولشدِّ أواصر العلاقات الروحيَّة والاجتماعيَّة أكثر، والعراق المظلوم العزيز كما هو معلوم بحاجة إلى هذه العلاقات بعد الحصار المتعدِّد السَّابق للخلاص منه ومن المد الوهابي السَّلفي.